" وقفت...فتحركت مجددا بضع خطوات للامام خطوات كانت طويلة..و لكن ليست بعيدة عن بيتنا ..اه ..اقصد كوخنا ...فسمعت صوتا بداخلي يقول " لا انه ليس بعيدا..انه هنا امامي ..فما بالي و كل هذا التشائم ؟" غمرتني فرحة ..فسرقني منظر خاطف امامي لا ادري أ كان حقيقيا ام اني تخيلته فقط فلم أعد اميز الحقيقة من الخيال ..و بمجرد ما التفتت ورائي .. رأيت ذاك المنظر من جديد.. أكولخ بلا سقف ..دورة مياه و احدة مشتركة أطفال صغار يمشون ..عراة..حفاة...يصرخون....الصراخ يتعالى و يتعالى ..الصوت يأن في أذني ..صوت الصراخ...صوت المأساة...صوت الفقر ...يا الهي..
* هذه حالي كل يوم ..كل يوم.يقال لي ..أقول لنفسي..أرسم أمامي لوحات الأمل ..فيلطخها الواقع بالطين الأسود من قبر اليأس و الشجن...يشوهها..فيقتلعها من ذهني ..يعيدني للحضيض..يشنق روحي....لكني مع ذلك اتعالى على الواقع أؤمن أني أستطيع ان احلق..و سرعان ما اسمع مجددا ذاك الصوت يأن في أذني ..تتعالى الأصوات...الأمهات على الاطفال..الأزواج على زوجاتهم ... و يتعالى صوت القدر على الجميع... فأقف انا بوسطهم جميعا و الكل حولي يتحرك..يصرخ..يستغيث..يبكي...ينادي..لكن لا أحد يسمعهم..لا احد يسمع الفقراء..أنصت لصراخهم جيدا ..فيتراءى لي فيه قطرات من الدموع الجافة...دموع جامدة لا تتحرك...لا تنسدل على خدودهم و لا على خدود الزمن..فأقف أنا مجددا بينهم جميعا...أتملى المشهد...أسمع الأصوات...فأغلق أذنيا.. لأني ضجر من سماع هذه الأصوات ...تقتل خلايايا..و لكنه لازال يأن في أذنيا...يا الهي داك الصوت لازال يأن في أذنيا..صوث الأقدار...صوت الحياة...صوت الواقع..صوت الصراخ الذي ينادي يأسا و كرها للفقر اللعين.. يا الهي..صوت المأساة "
أخبرني كل هذا...فشرد ذهني...تخيلت المشهد..الصوت...الصراخ..لكن لم أستطع ان أفهمه لاني لا أسمعه حقا كما الحال معه هو..
فقلت له بصوت خافت " نعم..و ماذا بعد ؟"
**" تصوري انت كيف ستكون التتمة ؟؟؟ لن تستطيعي لأنك لم تكوني فقيرة يوما هههههه لم تكوني فقيرة يوما ..
المهم...بعدها اردت ان أفعل شيئا ان لا أقف مستسلما أمام القدر ..حدثني المثقفون كثيرا عن أبطال على مر العصور ..فقلت لما لا ؟ لما لا أكون واحدا منهم ؟؟؟؟قلت نعم ..نعم..الان سأقف على كلتا رجليا....و أرفع رأسي للسماء...و أضعني ندا للواقع في معركة الحية ...
و ماذا حصدت من ذلك..لا شيء...صرت هائما... أردت ان أقتل الوحش..فصرت وحشا...صرت هائما ..وجدتني أتشرد ...لكن الجثد في الأمر..اني لم أعد أسمع كل تلك الأصوات لقد فارقت تلك الحياة..و بدأت حياتي الجديدة..الان فقط اعلم ما هو ذاك الافق الذي كنت اراه قريبا مني ...أجل ..انني أعيشه الان...الان فقط أستطيع ان امارس حقي في الجنون...لا ادري شيئا عنهم..لا أرى شيئا...و الصوت الوحيد الذي أسمعه و أعشق سماعه هو صوت الجنون.."